21 يونيو 2009

وحيدٌ بينَ كلِّ الورَى.. وما وجدْتُ سِواه

أهله.. أقاربه.. أصدقاؤه.. أخلاؤه.. أحباؤه.. جيرانه.. زملاؤه... أناسٌ يسيرونَ مِن حوله..
تلتقي نظراتُهم بنظراتِه.. تُلامِسُ أكتافُهم أكتافَه.. تُعانِقُ همساتُهم همساتِه..
يَسيرُ بينهم.. يَجلسُ بالقربِ منهم.. ينامُ على أصواتهم... وربما تمتزجُ ضحكاتُهم بضحكاتِه....
وربما أيضًا تمتدُّ أناملُ أحدِهم لتمْسَحَ دمعاتِه عندما تَسيلُ على جانبَي وجهه..

كلُّ مَن حوله... هؤلاءِ الذين تتعالى نبراتُ كلماتِهم في أذنِه.. فلا هدوءَ وسطهم.. ولا سكونَ بينهم..
نعم.. هو يُحسُّ بوجودِهم.. يَتلمَّسُ أطيافَهم.. فلا يُمكنُه إنكارَ ذاتِ أيٍّ منهم.. ولا إنكارَ تأثيرِ أيًّ منهم بحياته؛ سواءً كان سلبًا أم إيجابًا.. تأثيرًا وصلَ مجراه للعُمْق، أم كان "سطحيًا" لا يَلبثُ أنْ يزول..

تنعَقِدُ بطيَّاتِ عقلِه أحبالٌ تربطهُ بمَنْ حولَه، فلا يُمكنه الاستغناءَ عنهم..
حتى وإن لم يحتاجوا هم إليه!! فهو يعلم أنه في أمَسِّ الحاجةِ لمَنْ هم في دائرته،
وأيضًا مَن هم في كافة الدوائر مِن حوله..
يعيش في محيطٍ مليءٍ بالبَشر، فأينما التفَتَ وجدَهم... منهم مَنْ يسكنُ قلبَه.. ومنهم من يسكن عقلَه..
ومنهم من يسكن روحَه.. ومنهم من يسكن نفسَه.. ومنهم من يسكن في المنازل المجاورة لمنزله..
وأيضًا مِنهم مَن يَسكنُ عالمَه الافتراضي...!

إلاَّ أنه وسط كلِّ هذا، وحينما شرَعَ يُحمْلِقُ متأملاً بأعماقِ أعماقِ كِيانه، وجَدَ نفسَهُ وحيدًا..
وحيدًا وسط كل هؤلاء.. وحيدَ القلب.. وحيدَ العقل.. وحيدَ الروح.. وحيدَ النفس...
وحيدًا.. يشتاقُ للمناجاة... وحيدًا لا يحتاجُ لأيِّ أحد... وإنما -فقط- يحتاجُ للأحد..!

فحينما يصرُخُ -صامتًا- بأعلى صوته متألمًا... وحينما تخرُجُ -كالصاروخ المنطلِق- مِن فِيهِ تنهيدةُ صَبْر...
وحينما تذْرفُ عينُه أولى دمعاتِها، بصعوبة؛ فتنزل حارقةً على خدِّه...
حينها... ينسى... ينسى كلَّ مَنْ هم حولَهُ... ولا يتذكَّرُ إلاه...
فلا يلجأ إلا إليه.. ولا ينادى سواه.. ولا يصرخُ بداخله إلا قائلاًً: يااااااااااااااا ربّ..!
فهو يعلم... فهو يعلم أنه هو وحدَه مَنْ يَسمعُهُ.. يُنْصِتُ لهُ.. يَفهمُهُ.. أصابَ، أو حتى أخطأ..
أصلَحَ أو حتى أفسَدَ..

لذا فهو يحبه... لا يخجل أبدًا أبدًا مِن أنْ يرفع يديه إليه سائلاً إياه.. متذللاً إليه..
فهو يعلم أنَّ في ذُله لربِّه عِزَّة... نعم يعلم ذلك..

يحدِّثه.. يخاطبُه.. يحكي له.. يتذكر دائمًا ما جاء في الحديث: "إنه إذا رفَعَ العبدُ يَديْهِ للسماءِ وهو عاصٍ فيقولُ: يا رب، فتَحجِبُ الملائكةُ صوتَه.. فيكررها: يا رب، فتَحجِبُ الملائكةُ صوتَه.. فيكررها: يا رب، فتَحجِبُ الملائكةُ صوتَه.. فيكررها في الرابعة، فيقول اللهُ -عزَّ وجلّ:
إلى متى تحجِبونَ صوتَ عبدي عني!!؟ لبيكَ عبدي، لبيكَ عبدي، لبيكَ عبدي، لبيكَ عبدي"!

فهو الله.. ولا أحلى مِن نعمةِ أنه هو الله...

وقد أوحى اللهُ لنبيه داود أن "يا داودُ لو يعلمُ المُدْبرون عني شوقي لعودتِهم ورغبتي في توبتِهم،
لذابوا شوقــًا إليَّ... يا داودُ هذه رغبتي في المُدْبرينَ عني، فكيف مَحبَّتي للمقبلين عليَّ!؟"..

يتذكر ذلك.. وسطَ دموعِه وحَيرَته وألمِه.. فيَبتَسمُ قائلاً: يكفينى أن ربي هو ربي...فترتاحُ نفسُه، وتسكُن روحُه، ويقول: حتى وإنْ كنتُ بينَ كلِّ الورَى أحيا.. فوحيدٌ أنا، إن بحثتُ عن سواه.

13 التعليقات:

واصطنعتك لنفسي يقول...

الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها بنعمة..

الحمد لله أن الله ربي.. الحمد لله أني أمته..

سعيدة برجوعك للتدوين مرة أخرى يا مونّة :))

افتقدك بحق

سحر المصري يقول...

ونِعم بالله..

فتح الله عليكِ يا إيمان..

أدمعتِ القلب !

بوركتِ وبورِك مدادك..

أختك

مفتكس يقول...

ماشاء الله جميل جدا شكرا لكى اختى الكريمة على المقال

عمرو سعد....مدونة قاوم يقول...

جزاكم الله خيرا على هذا الإبداع الراقي ،وجعلك الله ذخرا لدينه ونفع بك.

yahia يقول...

ما اقسي ان يغترب الانسان داخل نفسه او ان يسجن داخل اسواره ....حينها لن يجد ملاذا سوي الدعاء,ولن يجد انسه وسلواه الا في محرابه
تدوينه رائعه وقلم رائع
دمتي بخير

سندس وأمل يقول...

:d

غير معرف يقول...

اللهم ارزق قارئة الرساله زيادة فقه فى الدين وبركة فى العمر وصحه فى الجسم وسعه فى الرزق وتوبه قبل الموت ونطق الشهاده عند الموت ومغفره بعد الموت وعفوا من الحساب وامان من العذاب .
اللهم اجعلها شعاع نور يضئ الطريق للحيارى والتائهين وارزقها نعيم لا ينفد وسعادة أبدية لاتنتهى وارح بالها وطمئن قلبها واشرح صدرها وفرج كربها وهمها واسترها واحفظها بعينك التى لا تنام .
اللهم اجعلها تعيش حياة كلها حب وسلام ووئام اعطيها ماتحب وتتمنى نور وجها وقوى بدنها وبارك فى اسرتها واحفظهم جميعا من كل عين حاسدة ومن كل قلب حاقد ومن كل انسان جاحد .
مع تحيات / مدونة الايجابية والاصلاح

إِيمَان عَاطِفْ يقول...

@ إيمان..

وأنا أيضاً سعيده بذلك
وسعيد بوجودك..

ms u ^_^
&
need 2 c u

________

@ خالتو سحر

بجد وحشتينى حضرتك أوى

أسعدنى مروركِ..صدقاً

ـــــــــ

@ مفتكس

جزاكم الله خيراً

أنرتم.. :)

ــــــــ
@ عمرو سعد

جزاكم الله خيراً

آمين يا ربنا

مرور كريم :)

ــــــــ

@ يـحى

ولن يجد أُنسه وسلواه إلا فى محرابه"

جميل..صدقت :)

ربماهى كتابة جيدة..
إلا أنها قرآءة أجود :)

دمتم بخير

____________

@مدونة الإيجابيه والإصلاح..

بجد بجد جزاكم الله خيراً كثيراااااا
على الدعاء ده واللهم استجب
ولكم مثله و أكثر بإذنه جلَّ وعلا..

محمد يقول...

سبحان الله..

استخدمت نفس الكلمات التي أستخدمها..

فهو الله.. ولا أحلى مِن نعمةِ أنه هو الله...

وهذه..

يتذكر ذلك.. وسطَ دموعِه وحَيرَته وألمِه.. فيَبتَسمُ قائلاً: يكفينى أن ربي هو ربي...فترتاحُ نفسُه، وتسكُن روحُه، ويقول: حتى وإنْ كنتُ بينَ كلِّ الورَى أحيا.. فوحيدٌ أنا، إن بحثتُ عن سواه.

سبحان الله.. قلت ما أقول

جزاك الله خيرا

إِيمَان عَاطِفْ يقول...

وضاح..

قلت ما تقول أخى..

هذا لأننا جميعاً..

من روح الله آتون.. ليس إلا..

:)

غير معرف يقول...

جزاكم الله خيرا ....
محمد حسن

آلاء إبـراهيـم يقول...

جزاكِ الله خيرا كثيرا

وجعل مدونتك ذخرا للإسلام والمسلمين

عمرو الشاعر يقول...

بارك الله لك فى مدونتك أخت ايمان

استمرى فى الكتابة فالقلم صار اليوم سيفنا و من العار أن يتجرد غمد الفارس من سيفه

استمرى و عين الله ترعاكى